الصحراء لايف : د.طالب بويا زايدنا ماء العينين
في خضم ما يعرفه المغرب من نقاش بين مختلف الفاعلين في الحقل السياسي و القانوني؛ حول الجهوية المتقدمة باعتبارها خيار استراتيجي ، لا محيد عنه ، لبناء مؤسسات جهوية ، دستورية فاعلة تؤسس لنمط تدبيري جهوي ، يمكن المجالس الجهوية ، في اطار المفهوم الجهوي المتقدم ، من القدرة على اكتساب الفعالية و الحضور القوي في مجال اقرار سياسات عمومية ترابية مسؤولة ؛ هدفها خدمة الساكنة وتلبية حاجياتها من خلال اشراك الرأي العام في بلورتها ، وهو ما قد يعطي سندا شعبيا للمبادرات العمومية الجهوية ، ويجعلها اكثر قابلية للنفاذ . وما يجب أن يرافق ذلك من قبيل وجوب وضوح الرؤية بخصوص دور المصالح الادارية الجهوية التابعة للمركز ، ودور مؤسسة والي الولاية فيما يخص التنسيق و التنشيط و الاشراف على المصالح اللاممركزة ، من أجل الدفع و تدعيم علاقات الشراكة بين الدولة و الجماعات المحلية في مختلف المجالات ، مع التنويه هنا الى ضرورة الاسراع في اخراج الميثاق الوطني لللاتركيز الاداري الذي تأخر اكثر مما ينبغي . و فتح الطريق نحو تحرير الممارسة وحرية المبادرة بدل التقيد بأساليب مغرقة في الشكليات المسلطة من فوق ، و العمل على التأسيس لثقافة جديدة تقوم على منح الهيءات المنتخبة فرصة تدبير وصياغة و توجيه و تنفيذ القرار العمومي الجهوي وفق السلطات التقديرية النابعة من الخصوصيات الجهوية ، والعمل ايضا ، في السياق ذاته ، على انضاج حكامة ترابية تعزز القدرة على خلق نخب سياسية و ادارية لها مؤهلات تدبيرية معتبرة ، و مؤسسة جهوية لها مقومات تنافسية و انتاجية مهمة .
غير ان الامر قد لايستقيم مع اصرار المركز على جعل هذه التجربة مقيدة و محدودة الصلاحيات ؛ ففي مراسلة ،وردت في مطلع هذه السنة الجديدة، من وزير الداخلية ، موجهة الى ولاة وعمال الجهات ، حول انخراط الامرون بالصرف ، بصفتهم رؤساء للجماعات الترابية
،Adhesion des ordonnateur des collectivités territoriales
وفق التنظيم الترابي الجديد الذي املته الجهوية المتقدمة ، في نظام التدبير المندمج للنفقات : Systeme de gestion integree de la depense , حسب مقتضيات القوانين التنظيمية المنظمة لاختصاصات الجماعات الترابية .
والمطلوب طبعا من ممثلي الادارة الترابية في الجهات ، من خلال هذه المراسلة متابعة مسطرة ادماج الامرين بالصرف ، بصفتهم سلطة الجهوية المتقدمة بمفهومها الجديد ، في هذا النظام للاشراف على المراقبة والمتابعة و مواكبة التطور الحاصل على صعيد تأهيل المنتخبين في هذا الباب .
هذه العملية التي تشرف عليها الوزارة تجعل من الصلاحيات الممنوحة لرءيس الجهة ، و مؤسسته الجهوية المنتخبة ، محدودة جدا و مقيدة ، مما لا يتناسب و طبيعة الاعتبارات و الادوار الدستورية والتنظيمية التي يراد للجهة آداؤها تكريسا لمفهوم الجهوية المتقدمة وتنزيلا لمضامينها ضمن رؤية تستلهم و تستحضر الرغبة الجدية في التغيير .
الامر الذي يطرح عدة تساؤلات واشكالات حول الادوار الفعلية المنوطة بالجهة ، ومدى محدوديتها ؛ و دليلنا في ذلك العواءق التالية :
فاذا ما تفحصنا بعض الجوانب ، ونخص هنا ما يتعلق بالتدبير الاداري ؛ نجد ان التسيير الاداري يبقى مرتبط بضرورة التنسيق مع ولاية الجهة بصفتها الممثل للسلطات المركزية تنفيذا لمقتضيات الاتمركز الاداري الذي يعتبر مدخلا مهما لاعادة تنظيم التدخل الجهوي للدولة وتوجيهه . باعتبار الاتمركز ؛ نظام اداري يتيح تمثيل الدولة لدى المجتمع ، وتواجدها الى جانبه ، وعلى مقربة منه من خلال السلطات والهياكل الادارية المنحدرة من المركز لمراقبة المجتمع و تأطيره ، وتحديد حاجياته . ،مما يمكنها ،اي الولاية ، التدخل في بعض التفاصيل المتعلقة بتسيير المصالح الادارية للجهة ، وهذا يطرح مشكل كيفية ومسطرة الخوض في هذه التفاصيل .
اضافة طبعا ، وتكريسا لهذه المحدودية ؛ ان للسيد والي الجهة الحق في ممارسة المراقبة الادارية على شرعية قرارات رءيس المجلس الجهوي ومقررات مجلس الحهة .
و بالتالي يبقى تغيير المصطلحات هو سيد الميدان ؛ حيث انه بالقاء نظرة على القانون السابق رقم 96 /47 المنظم لاختصاصات الجهات الستة عشر ، القانون التظميمي الجديد 111/14 المنظم لاختصاصات الجهات الاثنا عشر . فلا يعدو الامر ان يكون مجرد استبدال لمصطلح بآخر ؛ اي حلول المراقبة بدل الوصاية في النظام السابق .
وتدعيما لحججنا ، فالقانون التنظيمي الجديد للجهات يشدد على ان تبقى الميزانية مقيدة باقتراحات من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية .
اضافة طبعا الى اجراءات اخرى تزكي ماذهبنا اليه في هذا الباب ؛ من قبيل ان الميزانية لا يمكن صرفها الا بعد التأشير عليها من لدن السيد الوالي داخل اجل 20 يوما من تاريخ توصل بالمقرر . كما ان الميزانية قبل صرفها تمر على مصالح الولاية خاصة فيما يتعلق بالمقررات المتعلقة بالميزاتية وتفويت املاك الدولة .
كل ما اشرنا اليه ؛ يستوجب ، بل يفرض ضرورة معالجة بعض القضايا التي يطرحها الاتمركز الاداري بشكل شمولي و افقي في الآن نفسه ، والانكباب على تنظيم باقي مكونات منظومة الاتمركز ، وتحديد علاقتها ببعضها البعض ،بما في ذلك وضعية المصالح اللاممركزة المتواجدة على المستويات الاقليمية .
الامر الذي يعكس وجود علاقة بين الجهوية المتقدمة ، باعتبارها ثورة على مفهوم المركزية ، و اللاتمركز الاداري ؛ حيث تطرح بهذا الصدد اشكالات ، لابد من ضرورة التفاعل معها ايجابيا من قبل المشرع المغربي ، ونوردها كما يلي :
نفوذ ممثلي الادارة الترابية مقابل او ازاء محدودية سلطات المشرفين على نظام الجهوية المتقدمة والقاءمين عليه من منتخبين واطر محلية للجهة .اعتبارا لما نريده للمجلس ااجهوي من صلاحيات تداولية ، خاصة للجهاز التنفيذي المنبثق عن المجلس والذي يجسده رءيس الجهة . و عند اذن يمكن الحديث عن جهوية متقدمة .
ثم اشكال آخر متعلق بطبيعة العلاقات الوظيفية بين السلطة الجهوية المتقدمة ، وباقي منظومة المصالح الجهوية التابعة للدولة .
و تبقى نقطة اخرى مهمة تتعلق بكيفية تفاعل مجلس الجهة مع المبادرات المنطلقة من الدولة في شكل استراتيجيات قطاعية ذات بعد تنموي . وما قد يطرحه ذلك من تداخل في المهام و الاختصاصات ، وفرض الامر الواقع .
هكذا ،اذن، يبقى توزيع السلطات من قبل الدولة على المستوى المجالي قاءما ، حتى مع الدعوة الى تفعيل وتنزيل الجهوية المتقدمة ، حيث يتعمق دور الاتمركز الاداري ازاء هذه الجهوية . مما يبقي الاشكال الواسع المتعلق بضرورة تطوير اداء الدولة على مستوى سياساتها الادارية اتجاه الجهات . و بالمقابل العمل على اقرار منظومة لامركزية تمكن من مواجهة اعباء التنمية و ترسيخ قيم الديمقراطية المحلية .
على هذا الاساس لابد من القول ان المنتخب لايمكنه لوحده انجاح الرهانات و خوض التحديات دون سند ، بل لابد من من عمل جماعي تشاركي ، منسجم مع ماتم التنصيص عليه دستوريا ؛ حيث تظهر المكانة التي تحتلها الديمقراطية التشاركية Democratie participative الواردة في الدستور خصوصا في بابه الاول المتعلق بالاحكام العامة ؛ اذ جاء في فصله الاول بأن النظام الدستوري للمملكة المغربية يقوم على اساس فصل السلط و توازنها ، وتعاونها ، و يقوم ايضا ، على الديمقراطية المواطنة و التشاركية ، وعلى مبادىء الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة .
هذا الزاد الدستوري و الديمقراطي ، يبقى في نظري ، بمثابة دعم للديمقراطية التمثيلية Democratie representative ، المراهن عليها لتفادي ما يعتريها من سلبيات و نقاءص ، في افق خلق تصورات و ابتكار آليات غايتها النهوض بالمنتخب عبر برامج توعوية و تكوينية لتأهيله ، وحعله يواكب مستجدات و ادوات العمل التمثيلي ، حتى يمكن الارتقاء بالمؤسسات ، وانجاح رهان الاستثمار في العنصر البشري عبر ديمقراطية تشاركية تراعي حقوق المنتخب وتحفظ كرامة المواطن ، الامر الذي ستكون له ، من دون شك تأثير ايجابي على العملية التنموية محليا وجهويا .