afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

الهبرة : قصة قصيرة من تأليف الكاتبة الفنزويلية: أنا إيرينيمينديث بينيا Ana Irene Mendez Peña ،

 

 

الصحراء لايف : تأليف الكاتبة الفنزويلية : أنا إيرينيمينديث بينيا 

                               ترجمة: سيدي صالح الإدريسي

 

 

لاأترك شيئا للصدفة. فعندما أكون بصدد إنجاز خطة ما، أحاول تجنب كافة المنغصات. ولهذا فدائما ما أستحضر في ذهني خطة بديلة، تحسبا للطوارئ. إن إدارة مجزر من صنف الطلب الكلي، لهو أمر يستحق العناء، وقد كانت مايوركاMallorca نصب عيني لتطوير هذا المشروع.

أتخيل مايوركا أقرب من أي وقت مضى. منذ خمس سنوات وأنا أسدد قرضا لشراء منزل صغير فخم في جزيرة الحلم تلك، المطلة على البحر الأبيض المتوسط. ويمكن ان أغادر في غضون الخمس سنوات القادمة عندما أنهي سداد القرض.

أنا مرتاح البال. فمجزرتي “موناكو” تسير بشكل أفضل. زبنائي هم من فضليات مطاعم المدينة، إلى جانب العشرات من نساء المجتمع المخملي اللواتي لا ينظرن حتى للمبلغ الوارد في الفاتورة، بل يقلن فقط: “أرسل الفاتورة لزوجي”. إنهم أناس يدعون أصدقاءهم لتناول العشاء كل أسبوع، ويطلبن الأفضل. يهاتفنني مساء كل أربعاء أو في وقت باكر من يوم الخميس لتجهيز ما يرغبن فيه، وأنا ألبي رغباتهن بطريقة مثلى.

يعرف كل زبنائي أني لا أعمل أيام الاثنين، لأني أخصص نهاية الأسبوع بالكامل لعمليات الذبح. إنها الفترة التي أجهز فيها العلب الخاصة، التي أؤشر عليها بعلامة XX. لقد بدأت في تجهيز هذا النوع من العلب منذ ثلاث سنوات. وهي طرود لا تحتوي إلا على السلع الفاخرة، وفقا لما يطلبه زبنائي.

لم أكن أفقه شيئا في اللغة الإسبانية عندما حللت بهذا البلد. استطعت الحصول على العمل نادلا في مطعم لمواطن من مواطني بلدتي ألساسياAlsacia. كان اسمه هنري، ويملك مطعما يرتاده زبناء متميزون. يتميز هنري بحس فكاهي مع النزر اليسير من الذكاء. يسمي حساءه الفريد بحساء توتانكامونtutankamón، وهي وجبة مكونة من الدجاج مع قطع صغيرة من صدر الطير، وهو حساء يتقن تحضيره اتقانا. أما الديك الرومي المحشو بالفواكه فيسميه بالرامسيسramsés، وقد يكون محشوا بفواكه النيل. وهكذا الأمر حسب قائمة الطعام. لقد اشتغلت نادلا لثلاث سنوات مع هنري وتعلمت اللغة الإسبانية.

اقترح علي هنري أن نشرع في تقديم خدمة توصيل الطلبيات إلى منازل الزبناء، وقد راقتني الفكرة كثيرا. وهكذا أصبحت شريكه في المشروع. قال لي أنه معجب باستعدادي الدائم لتلبية حاجات الزبناء، وهو ما يشكل قيمة مضافة للمشروع. سارت أمورنا كما ينبغي، وجمعت رأسمال صغيرا مكنني من فتح محل للجزارة.

تعرفت على كارولا عندما كنت أشتغل مع هنري. كانت شابة من اللواتي يظهرن كما لو أنهن خوخة ناضجة، إلا أنها فضولية إلى أبعد الحدود. ذات جسد ممتلئ إلى حد ما وجذابة. وقد تزوجنا بعد أن تساكنا لعدة أشهر.

تكفلت كارولا بالصندوق عندما أنشأت محل الجزارة خاصتي. وبعد عامين من العمل المضنيأصبح عندي عدد لابأس به من الزبناء. ذات مساء بعد أن أغلقنا الصندوق وأحصينا مداخيل اليوم، عانقتني كارولا وقالت لي: “لقد أصبحنا أغنياء”. كارولا المسكينة لا تعرف معنى أن يصبح المرء غنيا.

كان عليها أن ترى بأم عينيها سيارات لامبرغيني، وألفا روميرو وبورش و الجاكوار المصنوعة تحت الطلب وهي مركونة في فضاء دائري بجانب حدائق القصور الفخمة في الكوت دا زور.

لاحظت تلك الليلة شرارة الطمع تشع لأول مرة من عيني كارولا.لم يرق لي ذلك قطعا، لأني أعرف أن القانون في هذا البلد يفرض تقاسم الثروة التي تشكلت أثناء فترة الزواج بشكل متساو بين الزوجين. لم تعجبني فكرة أن تحمل معها يوما ما نصف ما حصلته من مال بعرق جبيني.

لم ننجب أولادا على الإطلاق. لم أرغب في أن يكون لي صبيان قد يفرضون علي اقتطاع جزء مهم من وقتي. ودائما ما سعيت لأن أكون سيد حياتي، وأستمتع بها قدر الإمكان. إن آخر ما أفكر فيه هو رضيع مزعج يمكن أن يوقظ أحدا في لحظة ما في منتصف الليل ليأكل أو ليلهو.

توجب علي تسريح أحد مستخدمي لأنه بتر خنصره الأيسر بالمنشار، بفعل الأرق الشديد، لأن ابنه ذي الستة أشهر لم يتركه ينام في الليلة الفائتة؛مرة بسب صراخه، وعندما ناولوه الأكل، أبدى الرضيع مرة أخرى رغبته في اللعب، ولم ينم ولم يترك أبويه ينامان. إنه أمر مقرف.

نما مشروعي رويدا رويدا. اشتريت مزرعة خنازير لكي أتمكن من مراقبة جودة اللحم الذي أعرضه للبيع في محل الجزارة خاصتي. كنت أخصص أيام الاثنين بكاملها للمزرعة،وكلفت مياومين للعناية بالقطيع. استوردت أربع خنزيرات وخنزيرا واحدا من نوع لاندراثِيLandrace، وهي من بين خيرة سلالات الخنازير.ولأنها سلالة ذات خصوبة عالية جدا، فقد نما مشروعي التجاري بشكل سريع للغاية، إلى الحد الذي أصبحت معه أبيع قطيع خنازير لمحلات جزارة في مدن أخرى.

أصبحت كارولا ثقيلة على الروح، تريد أن تشتري أحذية، وحقائب يدوية، وملابس، ونظارات شمسية لماركات عالمية، وتطلب مني أن أشتري لها عطوراً غالية الثمن، وأن نقوم بجولة في الكاريبي. أصابها الجنون والهوس عندما رأت زبونة ترتدي خاتما من الماس بقراطين. لقد كانت لائحة مطالبها طويلة جدا. أما أنا فلا يهمني اجتياز العطل في أي مكان حتى وإن كان في النورماندي، بلدي الأصلي، لأني لا أستطيع ترك مشاريعي دون حسيب ولا رقيب، وإذا ذهبت فإني سأخسر كل شيء. ومع مرور الوقتأصبحت كارولا مغفلة أكثر مما هي ثقيلة. وكلما أكثرت من الإلحاح في مطالبها، كلما اقتربتُ خطوة من رسم خطة ما.

ورغما عني، ولأني لا أريد أي منغصات قد تعرقل مشاريعي، فقد ازدادت حالاتالشجار مع كارولا في الستة أشهر التالية.ذات يوم، وللتخفيف من حالتي النفسية المضطربة، قالت لي أنها تريد زيارة اختها في كوستاريكا. سددت لها فاتورة الرحلة، وأعطيتها ما يكفي من المال لتتركني في سلام لبضعة أشهر. عادت من سفرها متحمسة لفتح صفحة جديدة معي. أما أنا فقد رضخت لطلبها المستمر للمال، وتركت الأمور تسير بسلام لكي لا تتأجج الخلافات من جديد. لم أرد مفاقمة الوضع أكثر لئلا تفشل خطتي.

لقد كان علي إنجاز تلك الخطة كما يجب، وبدت مثالية. ذهبت بها في يوم عيد ميلادها منذ ثلاث سنوات خلت إلى مطعم كارفور دوري Carrefour Doré، الذي يعتبر من أفخم مطاعم المدينة، ومالكه من زبنائي. طلبت قنينة من نبيذ الشامبانيا وطلبت قنينات أخرى بعد ذلك. تظاهرتُ بشرب النبيذ، فقد كنت بالكاد أبلل شفتي بالرغوة الموجودة فوق السائل. أردت أن أبقي ذهني صافيا صفاء تاما. أما هي فقد شربت ثلاث قنينات شامبانيا تقريبا بين وجبة العشاء والساعتين اللتين رقصنا فيهما على إيقاع أنغام المجموعة الموسيقية في صالة الرقص المحاطة بالمرايا. تمتعت كارولا وهي ترقص على إيقاعات متحركة والتي أكرهها، إلا أني جاريتها في الأمر لأني لم أرغب في جرحها في تلك اللحظة. فذلك لم يكن مناسبا لنجاح خطتي. عندما طلبت مني أن نذهب إلى المنزل، كان علي أن أمد ذراعي لمحزمها وأسندها لكي لا تقع أرضا. ونامت في طريق العودة للمنزل.

وصلنا للمنزل، أنزلتها من السيارة وحملتها إلى الداخل ووضعتها على السرير. لا زالت مثيرة كعادتها. وعند رؤيتها ممددة ومنهكة كنت على وشك العودة للوراء. إلا أن ما أثار حنقي هو فكرة أنها جشعة جشعا لا حد له، ولهذا لم أتراجع. وعقدت العزم على تنفيذ ما خططت له سلفاً.

نزعت ملابسها ووضعتها في حوض الاستحمام. كان علي العمل بسرعة ووفقا لما هو مخطط له، لتكون النتيجة وفقالتوقعاتي. بحثت عن أدواتي وعدت إلى الحمام. مررت أصابعي على فقرات رقبتها. بسطت حنجرتها، جاعلا الرأس يتدلى للوراء بيدي اليسرى، لإبراز الحنجرة بشكل أمثل. وقطعت الرأس بضربة واحدة بسكين قوي كفأس وحاد كمشرط. والسر في ذبحها بضربة واحدة يكمن في معرفتي كيفية بنيان المفاصل الفقرية. لقد كانت ذبحة نظيفة كما كان ينبغي. جعلت جذع الرقبة مائلا نحو وعاء فولاذي مضاد للصدأ ليرشح الدم. فتحت صنبور الماء البارد لحوض الاستحمام ليتسرب الدم الفائض من الوعاء بسرعة. سكبت دما في كأس وشربته، لم أستطع مقاومة هذه المحاولة. لقد كانت بمثابة ممارسة دينية.

بدأت عملي برأس كارولا. قطعت الجزء الموجود أعلى الحاجبين، طوقت الأذنين من الجانب العلوي وأنزلت الشفرة حتى الرقبة وفصلت فروة الرأس عن محيط الجمجمة. اقتلعت بقوة فروة الرأس وبقت الجمجمة مسلوخة وصلعاء. شاهدت الرأس جانبا ورأيت أن المحيا، بالجمجمة دون فروة الرأس، لا زال جميلا. نزعت تلك الخاطرة من ذهني، ووضعت الرأس في سطل بلاستيكي ليستقطر الدم كما أفعل للخنازير المذبوحة.وعندما سال الدم كله وضعته في أحد الأكياس البلاستيكية التي كنت قد جهزتها. وضعت فروة الرأس في أحدالأكياس الرمادية اللون المخصصة للفضلات. أنجزت العملية بكاملها محتفظا بالقطع في كيس مزدوج لأسباب أمنية وتحسبا لطوارئ غير مرغوب فيها.

لقد كانت المهمة سهلة.فقد قمت بتقطيع الكثير من الخنازير والبهائم أثناء عملي جزارا، وأستطيع القيام بالمهمة مغمض العينين. كنت قد وضعت القطع في الأكياس المخصصة لها. كان اللحم يلمع مثل لحم خنزير من الدرجة الأولى شبعانا من القمح. وكانت تفوح من لحم كارولا رائحة زكية لفاكهة مكتملة الإنضاج، بفعل الشامبانيا الذي شربته قبل أن أذبحها وأقطعها إرباً.

لاحظت مع مرور الوقت أن خلط أنواع مختلفة من النبيذ والكحوليات يمكن أن يعطي نتائج فريدة. إن استعمال البراندي يعطي نتائج رائعة. إنها طريقة شبيهة بتلك التي يتم استعمالها لتحضير لحم الديك الرومي أثناء الاحتفال بالكريسماس؛ يتم شراء الديك الرومي حيا، وقبل تحضيره لتقديمه للأكل يتم سقيه البراندي باكرا جدا صباح يوم العيد، باستعمال قِمْعٍ لجعل البراندي يصل لجوفه عبر حلقه.وبعد ذلك يتم ترويعه لجعله يجري لكي يدور الكحول في جسمه. يتم سقيه المزيد من الكحول، وإبقاءه في وضعية الجري. وكلما تكررت العملية أكثر كلما كانت النتيجة أفضل. لأن هذه الطريقة تلين لحمه وتحسن من نكهته.إلا أن المشكل يكمن في استحالة تطبيق هذه المنهجية على الكائنات البشرية.

عندما أكملت العمل على الأعضاء المقطعة إلى أطراف جاهزة للاستعمال، وجهت انتباهي نحو الهيكل. لا يوجد فرق جوهري بين مورفولوجيا الخنزير والكائن الإنساني. سحبت الأحشاء ونظفتها جيدا لأني فكرت أنها ستكون رائعة لتحضير النقانق. كانت عبارة عنمترات طويلة من الأحشاء سيستخلص  منها الكثير من السجق والبوتيفاراس. قمت بتنقية المعدة بعناية، تلك المعدة التي كانت منذ دقائق في طور هضم ذلك العشاء الفاخر.المعدةهي عضو نتساوى في شكله جميعا؛ فهي خليط فوضوي ذي رائحة مقززة، كانت نتيجة لخليط من الأكلات. لأن كارولا أكلت طبقا من الفاصولياء المخلوطة بالأرز وشربت الجعة. وتناولت في العشاءسرطان البحر من نوع تيرميذورTermidor، وطبقا من الكمأة واللوز مع أسياخ الحبار المشوي مصحوبة بنبيذ أبيض فاخر.

فصلت الأحشاء ووضعتها في أكياس أخرى، وأنهيت العملية في المنزل. حملت الأكياس في الشاحنة، ثم توجهت صوب المجزر. لم يرني أحد. وحتى إن رآني فإنه لن يستغرب خروجي من المنزل، ووصولي لمحلي في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة. فهذا ما أفعله منذ وقت طويل. فأنا أشتغل في نهاية الأسبوع في تحضير النقانق المطلوبة بكثرة، وطرقي في تحضيرها هي سر حرفي، وأصبحت أكثر سرية انطلاقا من تلك الليلة.

مكان الذبح الذي يقع وراء محل الجزارة كان فسيحا، ومجهزا بآلات عصرية لتحضير منتوجاتي. لقد واظبت على أن لا أكثر من عملية الإنتاج. فالكثرة ليست مسألة محبذة. ورغم استعمالي لآلات لتسهيل عملي، إلا أن مصنعي بقي تقليديا. أشرف شخصيا على الجزء الأساسي في العملية. ويقوم مساعدي بعملية التقطيع تحت إشرافي المباشر. وبعد ذلك يقومون بتعبئة المنتوجات وصيانة الأجهزة جيدا.

في نهاية ذلك الأسبوع قمت بالتجربة الأساسية في مخططي. كل ما استطعت تحضيره ليظهر على أنه قطعة من لحم الخنزير كان معروضا في الثلاجات.صنعت قطعا من السناموكانت تلمع كما لو أنها من سنام الخنزير. وما تبقى من اللحم طحنته مع الأحشاء وتبلته بنكهاتي السرية. حشوت المصارين فأصبحت نقانق رائعة. ولأني متعود على تذوق منتوجاتي لمراقبة جودتها، فقد أقمت ما يشبه حفلة شواء في شرفة منزلي شويت فيها شرائح اللحم وبعض النقانق. لقد كانت شرائح اللحم والنقانق ذات مذاق لا يخطر على قلب بشر. إلا أن فمي احتفظبطعم دم لا يقاوم.

عندما أنهيت أكل الشواء وشربت نبيذبورغونBourgogne، خطر ببالي تفصيل لم يكن في الحسبان؛ فكيف أفسر غياب كارولا؟. يجب علي التفكير جيدا في الأمر، وحتما سأجتاز هذا العائق في الوقت المناسب.

يوم الاثنين الموالي ذهبت بالعظام والبقايا المتراكمة من الأسبوع الماضي ووضعتها، كما أفعل دائما، داخل المحرقة الموجودة في الزريبة. إن أرمدة المحرقة تشكل مُخَصِّباً فعالا لأشجار الفاكهة المزروعة خلف زرائب الخنازير.

كان الأسبوع الموالي مفعما بالحماس. نفدت المنتوجات المخصصة ليوم الخميس، واستمر الناس في طلب المزيد. لقد أوقعني هذا الأمر في مأزق وكان يجب علي أن أفكر في الخطة “ب”. لا يمكن للشخص أن يبعث الحماس في بعض الزبناء،وبعد ذلك لا يوفر لهم ما يطلبونه. لأن هذا الأمر سيلحق ضررا بالمشروع.

كانت الحاجة هي الدافع لتنفيذ الخطة “ب”. خرجت من المنزل تلك الجمعة على الساعة العاشرة ليلا. ركبت سيارة أجرة حتى منطقة المطاعم والحانات، التي تعج بالناس في نهاية الأسبوع بحثا عن المتعة. في تلك الليلة عاودت ممارسة مهارة أتقنتها في ريعان شبابي. حملت في كيس قبعة سائق سيارة أجرة وأدوات خاصة بمهنة إعارة سيارات أجنبية. فتحت سيارة ميرسيديس مركونة قرب مطعم حيث توضع السيارات التي تسلم جوائز للرابحين في الرهانات الخاصة بسباقات الخيل يوم الأحد.

جلست في المقعد الخلفي منتظرا. وفي الساعة الثالثة صباحا لمحت قدوم رجل بدين وقصير في حالة سكر طافح، يتكئ على كل سيارة مركونة يمر بجانبها عاجزا عن الوصول لسيارته الخاصة. نزلت من المرسيديس واقتربت منه، وقلت له: “هل تجتاجطاكسي؟ هاهوالطاكسي خاصتي. أستطيع أن آتي غدا لمنزلك ونأتي لتأخذ سيارتك. فأنت لست في حالة تمكنك من قيادة سيارتك”. نظر إلي الرجل بعينين تلمعان وقال: “أنت على حق يا بطل، لقد شربت الكثير من الكحول منذ الغداء”.

جلس الرجل عن شمالي في المقعد الأمامي، وما إن شغلت السيارة حتى سألته: “هل تريد أن أهاتف زوجتك لتطمئن عليك؟”. أجابني قائلا: “لست متزوجا، أنا أعيش وحيدا”. “رائع”، قلت لنفسي.

في دقائق معدودات فقد الرجل الوعي متكئا برأسه على زجاج الباب. ذهبت به مباشرة إلى المجزر. يفوتني هذا الرجل بأكثر من ثلاثين كيلوغراما. وجدت صعوبة في حمله، إلا أن التفكير في تلبية طلبات زبنائي منحني القوة للتعامل معه رغم بدانته وثقل وزنه. لقد تخلصت منه مثلما فعلت لكارولا.

ولأن مشروعي التجاري يجب أن يستمر، واظبت يوم الجمعة على صيد الرجال والنساء الذين يعيشون لوحدهم ولا أحد يسأل عنهم إن غابوا أو اختفوا. لقد كنت أفضل صيد أولئك الذين لا يتجاوز عمرهم الأربعين سنة. وهذه الفئة هي التي تشكل الأغلبية في الحشد الذي يملأ الحانات في نهاية الأسبوع. أستجوبهم عندما يقتربون من طاكسي “الخاص بي”، وغالبا ما يبدؤون في الثرثرة لأنهم يكونون تحت تأثير السكر الطافح. إذا كانوا يسكنون بالقرب من منطقة الصيد، أحملهم لمنازلهم وأعود بحثا عن قطعة أخرى.وتحسبا لحشر أحد أنفه في الأمر، مثل شرطي أو صحفي، فإني أحمل في جيبي دوما تذكرة طائرة وحقيبة جاهزة لكي أنفذ بجلدي في اللحظة المناسبة.

أموري لحد الساعة تسير من حسن إلى أحسن. وما كدر صفوي هو سؤال جارتي العجوز خوليا لي عن كارولا. خوليا تلك العجوز الفضولية التي تعتبر مؤرخة الحي.قلت لها بأنها ذهبت إلى كوستاريكا، وأنها تعرفت على مواطن من بلدها في سينما مدينة سان خوسيه San José عندما كان يجتاز العطلة بتلك المدينة، قادما إليها من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يقيم هناك، ويجني أرباحا طائلة من الإتجار في العقار. بعد ذلك بأسبوعين كتبت لي كارولا رسالة تخبرني فيها بأنها تريد الزواج به، وذهبت إلى لاس فيغاس للقيام بإجراء طلاق سريع، وغابت عني أخبارها منذ الحين. “أنا الآن أنتظر فقط أن ترسل لي حكم الطلاق للتصديق عليه هنا لأستطيع الزواج مجددا”، هكذا قلت للجارة المتطفلة.

عرفت مشاريعي نجاحا لافتا في شهر أكتوبر، ومنحتني غرفة التجارة بالمدينة لوحة ذهبية أُشير فيها إلى أني المقاول الأنجح في السنة. سلموا الجائزة خلال حفل في صالون كابريكورنيو في الفندق الدولي. والمفارقة هي أني كنت أنا الذي زودت الفندق باللحوم التي قدمت في حفل العشاء ذاك. أعلن أعضاء إدارة غرفة التجارة أنفسهم أصدقاء لي وبدأوا يربتون على كتفي. أعرف أن كل ذلك لا يعدو كونه تمثيلا، فإذا كنت حقا صديقا لأولئك البورجوازيين لاستضافوني في منازلهم، فأنا لست سوى جزارهم. هكذا هي الحياة.

إذا جرت الرياح بما تشتهي سفني، سأترك الجزارة وتجارة الهبرة، وسأكون في شاطئ فيإيبيزاIbiza أحتسي مشروب السانغريا، يجعلني أنسى طعم الدم الذي علق في فمي منذ ثلاث سنوات أثناء تلكالليلة المشهودة للاحتفال بعيد ميلاد كارولا.

 


banner ocp
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد