afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

الاهتزازات العربية: استعمار جديد واعادة انتاج للاستبداد

 

 

الصحراء لايف : بقلم بداد محمد سالم


   لقد شهد العالم العربي مع بداية 2011 موجة من الاهتزازات الرجعية خلفها زلزال اختار من تونس الخضراء مركزا له، وقد اختلفت التوصيفات التي صاحبت هذه الاهتزازات بين من يعتبرها إيذانا  ببزوغ غد أفضل لشعوب المنطقة، وبين من استشهد بقول النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم ”  أن تبيت أمتي في ظل حاكم جائر دهراً خير من أن تبيت ليلة بدون حاكم)،بغض النظر عن هذا السجال حول مشروعية تقوية هذه الاهتزازات من عدمها، فإن السؤال المطروح ونحن في الذكرى الخامسة لثورة تونس واهتزازات دول الجوار هو هل من المنطقي أن نخندق الحراك الذي شهدته المنطقة في زاوية تحليل جامدة انطلاقا من تعميم معطيات هذا الحراك ووصفه بالربيع تارة وبالخريف تارة أخرى ؟ أم أنه آن الأوان لنعترف بأن لكل بلد خصوصياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السيكولوجية ايضا التي تفرض توصيفا خاص بكل بلد؟ يمكننا من تفحص الوقائع بغية فهم الواقع و لنستشرف المألات المحتملة ونعد العدة للتعامل مع مستقبل سيبقى ضبابي المعالم ما لم يزل الغموض عن حيثيات تلك الهزة وارتداداتها.

صحيح أننا جميعا شعوب عربية نحمل نفس الهموم و نشترك نفس الأحلام والتطلعات، إلا أنه وجب الاعتراف أن ترتيب الأولويات لدينا وحجم الطموحات يختلف باختلاف انظمتنا السياسية وبوضعياتنا الاقتصادية و بنياتنا الثقافية والاجتماعية   وحتى السيكولوجية، التي نجدها  تتقاطع داخل نفس المدينة وفي ربوع الوطن الواحد، ناهيك عن أولويات وطموحات أمة مترامية الأطراف متعدد الأعراق والثقافات وحتى الديانات.

لطالما كانت البلدان العربية والإسلامية مصدرا مهم لفهم كيف تعيد الأنظمة الاستبدادية إنتاج نفسه من جديد في ظل متغيرات عالمية متسارعة تجلب معها مفاهيم وقيم جديدة، حيث أنه سرعان ما توظف أنظمتنا تلك الميكانيزمات الجديدة لإعادة إنتاج الاستبداد في انسيابية فريدة مع المتغيرات، ففي ظل موجات التحول الديمقراطي وما عقبها من نظريات تحدد معايير الأنظمة الديمقراطية في وجود عملية انتخابية تضمن التعددية و المشاركة السياسية وانتخاب رأس هرم الدولة… نجد أن أغلب الدول العربية والإسلامية قد استعملت هذه الآليات حيث نجد أن لها أنظمة دستورية وقانونية تؤطر حياتها السياسية، مما جعل هذه النظريات تقف منبهرة عاجزة عن فك شفرة الاستثناء العربي.

ليظل هذا الاستثناء سؤالا محوريا في الدراسات النظرية ويفرض بدوره طرح إشكال أعمق مفاده لماذا لا تثور هذه الشعوب من أجل ديمقراطية حقيقية؟

لقد  اتجهت بعض هذه الدراسات نحو ربط هذه الإشكالية بالعامل الديني إلا أن وجود انظمة ديمقراطية في اندونيسيا و باكستان وتركيا  مثلا خففت من محورية هذا الربط، لتتجه دراسات أخرى إلى تغليب العامل الثقافي في تفسير الاستثناء العربي  خصوصا أنه  من بين بعض الشعوب العربية من يكافح من أجل أن يعيش فرصة الممارسة  الديمقراطية ولو في حدود ما توفره له هذه الانظمة من الوسائل كما هو الشأن في نماذج ( لبنان والمغرب وتونس وموريتانيا ومصر…)في حين نجد البعض الآخر في حالة سبات عميق في ظل انعدام اليات الحد الادنى من الممارسة الديمقراطية في نموذج دول الخليج ينضاف إلى ذلك دول ذات أنظمة عسكرية أو تتبنى نظام الحزب الوحيد (العراق، الجزائر، السودان، سوريا، ليبيا..) ولكل بلد خصوصية بطبيعة الحال.

ولو أننا وضعنا هذا التصنيف للأنظمة العربية الا أننا نقر بأنها تختلف داخل كل صنف بالنسبة لدرجة انفتاح أو انغلاق كل نظام سياسي، كما أننا سنجد عدة مفارقات في مسار التحولات السياسية بين هذه البلدان مما سيجعلنا نعيد النظر في معايير تصنيف الانظمة العربية كلما اعتمدنا عاملا  معين في تفسير هذه التحولات.

فتونس التي كانت شرارة هذا الحراك كانت بها مؤسسات دستورية بغض النظر عن فاعليتها أو مصداقيتها وهو ما سهل عملية انتقال السلطة و تدبير المرحلة الانتقالية. كما أن الاحتجاجات وتطورتها جاءت بمنأى عن التدخلات الخارجية مما يفسر سلاسة العملية الانتقالية بالمقارنة مع الطريقة التي دبرت بها اهتزازات دول الجوار . لكن ومن  جهة ثانية فإن تحوير المطالب من الشق الاجتماعي إلى الشق السياسي وعدم انعكاس الاصلاحات السياسية على المطالب الاجتماعية، هو الذي يفسر عودة التوتر من جديد مع إقدام الشاب التونسي العاطل عن العمل على إحراق نفسه في الذكرى الخامسة لثورة الياسمين.

نحن لا ننكر كباحثين أن لكل حراك تداعياته وبأن لهزة تونس بلا أدنى شك ارتدادات على محيطها  العربي، إلا أننا نقر في المقابل أن المنطقة لازالت تدار من الخارج وأن الانظمة السياسية تربطها بالقوى العالمية مصالح متشابكة تحتم على هذه القوى أن لا تقف متفرجة أمام التطور الطبيعي لهذا الحراك، وأنها ستساهم في رسم معالم هذه الاهتزازات بعدما تفاجئت بثورة شعبية أطاحت بحليف استراتيجي ساهم إلى حد بعيد رفقة باقي الرفاق في تكريس الاستعمار القديم الجديد للمنطقة !!!

 لقد جاءت ثورة مصر في 25 من يناير بشكل أسرع من المتوقع مما قلص فرص المناورة لدى منظري الاستعمار الجديد وإن بشكل مؤقت، وكان كبش الفداء هذه المرة حسني مبارك لكن ليس إلى ما لانهاية بطبيعة الحال… والبرهنة على ذلك تثبتها تطورات الخمس سنوات الماضية.

فعلا لقد أصبح الحراك العربي واقعا على الارض، لكن مع الاسف تم اختطافه وتوجيهه لتدمير بلدان بعينها واضعاف ارتداداته في بلدان أخرى وذلك من أجل أن يصبح هذا الحراك وسيلة لتعيد هذه الأنظمة إنتاج نفسها من جديد، إما عن طريق اصلاحات سياسية أو إجراءات اقتصادية تضمن الاستقرار مثل ما حصل في المغرب والجزائر والاردن  في حين أصبحت ليبيا دولة فاشلة رغم أن مؤشرات الحراك السياسي والاجتماعي التي لم تكن توحي بأن هناك ثورة في الافق، وأغرب ما في الأمر هذ المرة أن هذا الحراك قاده النظام على نفسه فسارت ليببا مسرحا لحرب توازنات دولية بواسطة أدوات اسمها ميلشيات النظام السابق، فلا ليبيا أصبحت دولة ديمقراطية ولا الشعب الليبي أستطاع إشباع حاجاته اليومية… في حين حرصت دول الخليج على إيجاد تسوية مؤقتة للازمة اليمنية سرعان ما فشلت وانفجر الوضع من جديد فأصبحت اليوم ساحة لحرب توازنات إقليمية. لتعمد دول الخليج على حدودها الشمالية هده المرة على دعم عسكري وسياسي مباشر للمعارضة المسلحة في سوريا، مما جعل الازمة السورية تمتد إلى يومنا هذا بدون حل يذكر، ينضاف إلى ذلك ميلاد أزمات وكيانات أكثر خطورة على الاستقرار في المنطقة.

والشاهد هنا أننا استطعنا أن نبرهن إلى حد ما أن هناك ثورة هزت النظام في تونس وهي تونسية المنشأ والاليات، فنجحت في بناء تونس جديدة بمؤسسات ديمقراطية، لكنها فشلت في مقاربة مطالبة الحركات الاجتماعية، فأثبتت هذه الأخيرة أن الشعوب العربية تثور شأنها شأن  بقية شعوب العالم وفندت النظرية المعاكسة.

 لكن بالمقابل فإن الاستثناء العربي ظل حاضرا عندما تعلق الامر ببلدان كان ارتداد الثورة التونسية طبيعيا اتجاهها، وذلك بنجاح هذه الانظمة في استخدام هذه الارتدادات  لإعادة إنتاج نفسها و إطالة عمرها الافتراضي مستقبلا فحققت بذلك نوع من الاستقرار المحفوف بهاجس حركات جديدة، وكل ذلك تحت مرئ و مسمع من المتغير الخارجي الداعم لهذا الاستقرار ولهذه الانظمة.

 في حين لعب هذا المتغير دورا محوريا في انتاج ارتدادات في دول كسوريا وليبيا واليمن إلا أن  نتائج الحراك في هذه البلدان اختلف باختلاف طبيعة التدخل الخارجي وحجمه فالتدخل العسكري المباشر في ليبيا وانقلاب النظام على نفسه في قالب ثوري  وعدم وجود مؤسسات للدولة جعل منها دولة فاشلة، ينضاف إلى ذلك العامل الثقافي والسيكولوجي للشعب الليبي الذي ساهم في فشل تجربة التحول، تحكمت نفس العوامل في المشهد اليمني لكن عراقة اليمن كحضارة ووجود دولة مؤسسات حال في المرحلة الاولى دون وقوع كارثة بحجم دمار ليبيا، لكن تنامي المتغير الخارجي الاقليمي بدعم من  حلفائه غربا وشرقا زاد من احتمال تكرار النموذج الليبي. اما الحالة السورية فإن صلابة النظام ومؤسساته و كثرة المتدخلين منذ بداية الآزمة لعب دورا في عدم حسم النزاع المسلح إلى اليوم، ناهيك عن الموقع  الجيوسياسي  لسوريا وتأثيره على المصالح الدولية في المنطقة في ظل الصراع الروسي الغربي و التناطح الايراني السعودي على زعامة نبراسها العمائم وشرعية الانظمة القائمة.

لكن يبقى التساؤل مطروحا حول أسباب عدم وصول ارتدادات الزلزال الذي ضرب اليمن وسوريا إلى منطقة الخليج العربي، وهي منطقة تتوفر فيها مجتمعة ما لم يتوفر في غيرها من أسباب ثورات الشعوب، ينضاف إليها تدخلات أنظمتها بشكل مباشر في الصراع الدائر شمالا وجنوبا من أجل ترسيخ الديمقراطية وحقوق الانسان وبناء مؤسسات حداثية !!!!!!!

الجواب ببساطة أن البعض يريد أن يرسخ الاستثناء العربي في القدرة على ترسيخ الاستبداد وإعادة إنتاجه، وأن قدرنا هو  أن نكون مرجع المتناقضات و الصخرة التي تتحطم عليها كل النظريات.

عفوا أصحاب هذا الطرح نحن شعوب خلقنا لنثور ولنغير معالم العالم. فقط دعونا بسلام واتركونا للهزة نحن أهلها ونعرف إلى أين نوجه تردداتها، رفعت الاقلام وجفت الصحف.

 

 باحث في الحركات الاجتماعية جامعة محمد الخامس –الرباط- 

البريد الالكتروني: [email protected] ،

رقم الهاتف:+212650106655

banner ocp
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد