afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

نافذة على الشاي في الأدب الحساني

الصحراء لايف: الدكتور بتار ولد العربي

 ونحن ركب من الاشراف منتظم        أجل ذا الخلق قدرا دون أدنانا

قد اتخذنا ظهور العيس مدرســة       بها نبين ديـــن الله تبيـــــــانـــا

هكــذا وصف أحد الشعراء الموريتانين الطريقة التي كان سلفنا القدامى يسيرون بها رحلاتهم بين بلاد شنقيط والبلاد المجاورة، حيث كانت موريتانيا جســر عبور وحلقة وصل بين غرب وشمال إفريقيا، ومحطة وضع رحال جميع القوافل التي تمر محملة بالأمتعة النفيسة من هنا وهناك، ذهابا وإيابا.

والى جا نب ماعرف به الشناقطة من حمل الدين الإسلامي وتعليمه عبرالصحراء فقد عرفـت بلادهم بأسماء مختلفة ترجع الى عصور مختلفة، وتنطبق على مناطق متطابقة مافتئت تتسع وتضيق عبر العصور. ولعل أشهر هذه الأسماء: صحراء الملثمين، وبلاد التكرور، وبـــــلاد شنقيط,…وموريتانيا) وهناك أسماء أقل إنتشارا مثل: (المنكب البرزخي,والبلاد السائبة,وبلاد على فترة من الأحكام….الخ. يقـول الدكتور:محي الدين صابر : “إن صورة الشنــاقطة كانت ولاتزال في البلاد العربية أنهم الملثمون الأوفياء للثقافـــة العربــية الإسلامية في نقائها وأصــالتها، وأنـــهم سدنـــتها في قاصية ديــار الإسلام – ويعني المـــرابطون- حفاظــا عليها ونشرا لهـــا وإشعاعــــا بها.” وفيهم يقول الشاعـر أبو محمد بن حامد الكاتب:

قوم لهـم شرف العلى من حــمير          وإذا أنتموا لمـــتونة فهـــم هـــم

لما حــووا إحـــــراز كل فضيلـــــة           غـــلب الحيـــاء عليهم فتلثـــموا

وما نسبت بلاد شنقيط الى هــؤلاء إلا لأنهم كانــوا في قــــرون الإســـلام الأولى سكانــــــها الغالــبين عــددا ونفوذا، فكانت قبائل صنهاجة الثلاثة (المتونة,ومسوفة,وكدالة) تنتشر في أركــــان البلاد وفيها أقاموا دولة أنجبت بعد قرنين وزيادة دولة المرابطين.

ولهذه المـكانة المميزة والخصوصية التاريخية، وتلبية لنداء الأم (الصحراء) في ندوة قامت بـها جامعة سبها تكريما منها لأحد أبناء الصحراء البررة، الأديب والكاتب الكبير:إبراهيم الكونــــــي تحت عنوان:(أدب الصحراء)، كان من المقرر أن ندلو بدلونا لنساهم  مساهمة بسيطة ومتواضعة بلفتة نظر خاطفة على أحد المواضيع الهامة، وهو موضوع الشاي (أتاي) زاد أهل الصحراء في نزولهم وترحـــالهم حيـــث يحتل مكانة مميزة في المجتمعات الصحراوية وحياتهم الــيومية بصفة عامـة، وعند الموريتانيين على وجه الخصوص حتى يومنا هذا، فهـــو بيت قصيد اللقاء ومفتـــاح الضيافة والإحســان. وفــيه يقـــــول الشاعــــــــر:

أتــاي أحـــــن ذ يجمــــعن    مخــــــــــلاه أعلـــين غــــال

أو هـــــو رفيق أن نحــــن     فـــي النـــــزول والترحــــال

أتــــاي أعلــي لمغليـــــــــه    ومشــــرين ل للـــكســـان

عودان الناس أتحاسن بــــه    الـــناس إل تعرف لحسـان

وحــول الشاي (أتاي) أيضا يجــتمع الأصـــدقاء في لعب ولهــو ومرح. يـقـــول أحدهـــــــم:

أتاي أل زين وبالجود    نشرب كاس خوف أععكــاس

وتاي أل وجه معكود    ماه فال نشرب كــــــــــــــاس

ويحمل هذا (الكاف) معنيين أثنين يتعلق الأول منهما بمن يعد الشاي أي (القيام) والــذي يجب أن يكون منبسط الوجه مبتسما حتى يضفي نوعا من الرغبة في تناول الشاي وشربه، أما المعنـى الثاني فيتعلق بطبيعة الشـــــاي نفـــسه، والذي ينبغي أن لا يـــكون (معــكودا) أي شديــد الســـواد وقلــيل الســكروهو الشاي قوي التركيز. وعلى ذلك الأساس يصف لنا أحد الشعـــــراء الموريتانيين الشكل الجيد الذي من المستحسن أن يكون عليه الشاي قائلا:

أتاي أل زين أومتكـاد      لون يصـــفارأويحمـار

معلـوم أفلعمارإلاعــاد    يورش معلــوم أفلعمـار

أي يجب أن يكون الشاي (أصفر اللون أو أحمره) وذلك مهم وصحي كما يرى الشاعر، حتى أنه يساهم في امتداد العمر وبقاء الإنسان طويلا على قيد الحياة، إذا كان من شىء يساهم في ذلك.

ومما هو جدير بالذكرأن للشاي شروط ثلاثة يقوم عليــها ولا يمــكن أن يصح بدوتها، وهــي المعروفة ب(الجيمات الثلاثة) لأن كلا منها يبدأ بـ(حرف الجيم) وهي: (الجماعة، والجر، والجمر).

وفي ذلك يقول أحد الموريتانيين:

أتاي أمن شروط لهــن    وجماع زين سمـــاع

تسمع لشعار أو لغـــن    وأتعود أمــل بــــــداع

وأيعود كســان   مثنى     وثــلاث وربــــــــاع

ومن هنا فقـد كان الشاي أحد مقومات الســهر, وأحــد عناصره الهامة حيث يقــال في ذلك:

أتاي أمنين أكـــدا دواخ    طلعت بالم  طــالع

بربع كسان أكداد  واخ    تو أطلــوع المطـالع

ولشرح هذا (الكاف) فإن (أكدا- دواخ) الأولى تعني: قمة الدوخة أو الدواخ وهو التــــوق الى شرب الشاي حيث صنعه صاحبه بماء مغلى أو (مفور) أي (ألم طـالع)، أما (اكداد- واخ) الثانية فترجــع الى الكــؤوس الأربــعة التي كانت متساوية ومن نـــوع واحــد يسمى (الواخ)، وتكـــون (تو اطلـــوع المطالع) الأخيرة من شطر (الكاف) تعني وقت طلوع الفجـر.

ولم يكن الشاي غائبا عن مداعبة الغيد شعرا، حيث يتفاخر الشعراء بشايهن في أغلب الأحيان، عـند لقاء الأحبة. ومما قيل في ذلك المجال:

بت البـارح نله قيـــد    كـــاس فيــد والم طــالـع

لين الليل أكبظت بيـد    بالمنـــازل والمطـــالــع

وقد يأخذ هذا (الكاف) معنيين أيضا,وذلك حسب شرح كلمة (ألم طالع) التي قد تعني (طلوع الماء أي غليانه أولا، وطلوع الفجرثانيا ) كما أسلفنا في (الكاف) السابق. وكلمة المنازل التــــــي تعنـــي البيوت في المقام الأول، وتعني كذلك نزول الماء في الإناء، كما كان يفعـل أهـل الصحراء لمـــياه (الغدير) من أجل تصفيتها.

وقد حافظ أهـل الصحراء على الشاي وتماسك عناصره خوفا من أن تشوبها شائبة، فتعكر صفو مياه تناسق جماعته وذلك ما يوضحه الكاف التالي:

أتاي إيطـــــــــير      ذ النوبـة خــــالـك

وتاي إيطـــــــير      ش مـــاه خــــالـك

ويعني التصغير في (إيطـيرو) الأولى الاستلطاف أو المدح بمــا يشبه الـذم، أما (أيطـير) الثانية فتعنــي الستخفاف والإعراض عنه أو عدم الرغبة فيه. ويعني (الكاف) في مجــمله أنه رغم وجـود الشاي وتـوفره فـي تلك الآونة، فإن أقل شيء يمكن أن يجعله غير مرغوب فيه. وذلك لشدة الحرص على تماسك عناصره كما ذكرنا.

بالإضافة الى ما تقدم يعتبر الشاي كذلك مؤنسا لصاـحبه ومذهبا للهم والأحـــزان، ولذلك كانت لي مناورة شعرية أو ما يعرف ب(الكطاع) أخذتهـا من مجموعة شعرية من (لغن الحساني) سميتها :” من وحي الصحاري في مدينة أوباري” لم تنشر بعد، حيث كنت وحيدا في ليلة أكابــــد الهم والأحزان ومشغول الفكر كما تفرض الغربة أحيــانا. ولم يكن بجــانبي وقــتها سوى إبريق (براد) وكأس به شاي، فأخذت من المشهد موضوعا (مقصدا) كما يقول (الوزانة) وأنـــــــشأت مناورة بالشعر الحساني مع الكأس وفيها بدأ يستفزني بالقول:

تشرب كاسك يلخو من اليوم      طــــــالع برادك مـــــذال

يـ بتاري لحـكــــك أتــصوم     عــن أتاي الصوم أمــــــال

فأجبته:

الكاس أنت أمالـــك تعرف      عــن أشراب أتاي أو حــال

مــــــــذال في يصـــــرف       فـــي يـــصرف مــــــــذال

رد الكأس قائلا:

ان يــبـــــتاري عنــــــــك        هــــــاذ راه  فــل كـــــــال

شـــــاك البــــراد منـــــــك       وتــــاي الحـــام وأمثــــــال

أجبته بدوري:

يلــكاس أنت رانك داصـــر      تـــشك لبـــــراد أمــــــــال

مــــاه كيفــك هــــاذ ياســـر     ولا فـــي التــرك مجــــــال

رد علي:

الترك أخبـــار مــــاه بــــي     أو لان طـــــــارح مجـــال

ان البـــــي ذل فــــــــــــــي     أتصــــب و أيــــتم أبحــــال

فقلت له:

أتــاي أمــال مـــي مــــي         أشـــراب فيــــك أنت كــــــال

عــاكــد زاد أعليك النـــي         أنــت واحـــــد مـــن عيـــــال

رد قائلا:

أطلبـــتك يلـــحي الشـــكور       لا تــم الحـــال أعـل حـــــــال

يعمل ذ النوبة تاي أيغــــور      والصـــين أتــوكف لشكــــــال

فأجبته

يالكاســــ انت مانك معقـول      أشبـــــه حـــد أيوســع بـــــــال

هاذ يلخو حـــــال و تــزول      لــــكل حـــــــال مـــــــقــــــــال

ساعد في نقل الأبيات الشعرية (الكيفان) المتعلقة بالشاي الشاعر والأديب: عمر ولد حم الكنتي

و هو صاحب الكاف:

كـــاس إيلا ريت و أنظــيف    صـــاحب ل عايــد مـــــــــــذال

الــــوسطاني زين ألا كيــف    لـــــول و بــــــراد الــــتــــــــال

وهو صاحب (الكاف) الذي أوردنا في بداية المقال:

أتــاي أحن ذ يجمــــعن    مخـــــــلاه أعلـــين غال

أو هو رفيق أن نحــــن     في النـــــزول والترحال

 

banner ocp
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد